مقالات وبحوث

أهمية إعادة تدوير النفايات

بقلم: د. إسحاق الكندري
النفايات هي المواد التي تنتج عن ممارسة الكائنات الحية للأنشطة المختلفة في النظام البيئي الطبيعي، حيث يعيد النظام استخدامها ضمن دورات طبيعية، كما هي بقايا المواد الناتجة عن ممارسة الإنسان لأنشطته اليومية ضمن دورة حياته، مثل الورق، والكرتون، وأكياس النايلون، والزجاج، والمواد المعدنية المختلفة، إضافة إلى المخلفات الغذائية والمخلفات الناتجة عن الأنشطة الصناعية والإنشائية.
وظهرت مشكلة النفايات في الآونة الأخيرة بسبب ازدياد عدد السكان وحجم النفايات الصلبة الهائل التي ينتجها البشر، وأصبحت من أهم المشاكل التي تتحدّى الدول في العصر الرّاهن والتي ساهمت في تدهور النظام البيئي بشكل مباشر أو غير مباشر، ففي المناطق الريفية تمثل مخلفات التربة، والمواشي، والدواجن دافعاً أساسياً لحدوث تلوث بيئي ما لم يتم التخلص منها بطرق صحية وغير ضارة بالبيئة.
 ومع مرور الوقت تفاقمت مشكلة النفايات بشكل كبير بسبب حدوث التطور الزراعي والصناعي الذي أعقب الثورة الصناعية، حيث أصبحت من أكبر مشاكل العالم الملحة التي تتطلب مواجهتها الكثير من الجهد والمال على المستويين العالمي والإقليمي والاهتمام الكبير من قبل أصحاب القرار، والرأي العام، وإدارة المجالس البلدية بسبب الزيادة الكبيرة في كمياتها وضيق رقعة الأرض مقارنة بحجم النفايات الصلبة مما أدّى إلى حدوث تلوث بيئي واستنزاف للمصادر الطبيعية، وازدياد الظواهر السلبية الناتجة عن استخدام أساليب خاطئة للتخلص من هذه النفايات والتبعات السلبية على الصحة العامة.
ووفقا لتقرير البنك الدولي في عام 2018 فان نفايات العالم ستنمو 70 % بحلول 2050 ما لم يُتخذ إجراء عاجل، ومن المتوقع أن يقفز توليد النفايات السنوية على مستوى العالم من 2.01 مليار طن عام 2016 إلى 3.4 مليار طن خلال السنوات الثلاثين المقبلة، وذلك نتيجة لتوسع المدن السريع وتزايد عدد السكان، واستناداً إلى حجم النفايات المتولدة، وتكوينها، وكيفية إدارة النفايات، تشير التقديرات إلى أن 1.6 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون قد تم توليدها من معالجة النفايات والتخلص منها في عام 2016 ، وهو ما يمثل حوالي 5 % من إجمالي الانبعاثات في العالم.
وتعد عملية جمع وفرز النفايات بأنواعها الخطوة الأولى في إدارتها عن طريق نقلها إلى أماكن مخصصة ليتم التخلص منها، وتتوسط عملية نقل النفايات عمليتي الجمع والمعالجة. كما يجب التخلص من النفايات بطرق فعّالة وصحية مع ضرورة تجنب إحداث روائح، أو غبار، أو بعثرة للنفايات أثناء نقلها.
تدوير النفايات أو «الرسكلة» هو عملية تحويل المخلفات إلى منتجات جديدة لها فوائد اقتصادية وبيئية وموجودة منذ القدم في الطبيعة، ومارسها الإنسان منذ العصر البرونزي، حيث كان يقوم بتذويب مواد معدنية ويحولها إلى أدوات جديدة قابلة للاستعمال.
ويتم اللجوء إلى عملية التدوير للتخلص من النفايات التي يؤدي تراكمها إلى تهديد صحة الإنسان وتهديد البيئة التي يعيش فيها، فمثلا النفايات البلاستيكية التي تلقى في البحر تقتل مليون كائن بحري كل سنة.
وتعتبر عملية إعادة تدوير النفايات من أهم الطرق العلاجية للتخلص من النفايات ويتم عن طريقها إعادة معالجة مواد النفايات والمخلفات سواء كانت نفايات منزلية، أو صناعية، أو زراعية، وتهدف بشكل أساسي إلى التقليل من تراكم النفايات والآثار الضارة التي تسببها واستخدامها في الصناعات والمنتجات المختلفة من جديد، حيث تبدأ بتجميع المخلفات التي يمكن تدويرها ومن ثم فرزها بناءً على نوعها (زجاج، أو ورق، أو خشب، أو معدن، إلخ…) لتصبح مواد خام صالحة للتصنيع والاستخدام، وتتمثّل المراحل الأساسية في عملية إعادة التدوير بتجميع الفضلات في أماكن مخصصة والبدء بعملية المعالجة، وتشمل المواد المعاد تدويرها الحديد والصلب، وعلب الألومنيوم، والزجاج، والورق، والخشب، وبقايا مواد البناء وغيرها من المواد، حيث يتم معالجة هذه المواد لتصبح بدائل مهمة وأساسية للمواد الخام المتمثلة بالموارد الطبيعية غير المتجددة مثل البترول، والغاز الطبيعي، والفحم الحجري، والخامات المعدنية، والأشجار، ويمكن أيضا إعادة تدوير مياه الصرف الصحي إلى مياه صالحة بفضل محطات تطهير وتنقية المياه، وإعادة تدوير إطارات السيارات غير القابلة للاستعمال لتحويلها إلى مواد مطاطية أخرى.
كما أن المواد الإلكترونية قابلة لعملية التدوير، ووفقا للوكالة الفدرالية لحماية البيئة في الولايات المتحدة فإن مقالب النفايات تضم سنويا أكثر من 4 ملايين طن من النفايات الإلكترونية، والرقم يتضاعف سنويا.
وتكمن أهمية إعادة تدوير النفايات وتأثيرها في العديد من الجوانب:
الجانب البيئي: تساهم عملية إعادة تدوير النفايات بشكل أساسي في التقليل من نسبة التلوث بأنواعه من خلال تخفيض تراكم النفايات التي تساهم بشكل كبير في تلوث البيئة بسبب إصدار الغازات الملوثة والعناصر السامة إلى الهواء، والمياه، والتربة، عدا عن دورها في التقليل من الضغط عن أماكن تجميع ودفن النفايات (مكبات النفايات)، وبالتالي تساهم عملية إعادة تدوير النفايات في تخفيف أثر النشاط الإنساني على كوكب الأرض.
الجانب الاقتصادي
تلعب عملية إعادة تدوير النفايات دوراً مهماً في تخفيض النفقات الاقتصادية ومساعدة الدول على مواجهة التحديات المتعلقة بارتفاع أسعار المواد الخام مثل النفط والفحم، حيث يمكن التقليل من الاعتماد على استيراد الموارد الأولية الخاصة بالعديد من الصناعات، وبالتالي التقليل من تكلفة الإنتاج نتيجة انخفاض فاتورة الرسوم الجمركية، وأقساط التأمين، والنقل، وفي بعض الأحيان قد يتم الاستغناء عن مكبات النفايات واستغلالها في استثمارات ومشاريع أخرى تعود بالنفع على الفرد والمجتمع. كما أن عملية إعادة تدوير النفايات تساعد في تخفيض استهلاك المواد الخام الطبيعية المستخدمة في الصناعات المختلفة، وبالتالي تقليل استهلاك الطاقة اللازمة للتصنيع وعمليات الإنتاج، وتساهم في خفض تكاليف علاج الأمراض الناتجة عن تراكم النفايات، وانتشار الحشرات الضارة والملوثات السامة، وارتفاع عوائد القطاع السياحي عن طريق جذب السياح للمناطق النظيفة والبيئة الصحية.
الجانب الاجتماعي
تساهم عملية إعادة تدوير النفايات في التقليل من نسبة البطالة في صفوف الشباب الراغبين في العمل، عن طريق توفير فرص عمل جديدة في جمع وفرز النفايات الصلبة وتحويلها إلى المصانع الخاصة في عمليات إعادة التدوير، كما أنها تساعد على تغيير سلوك أفراد المجتمع وزيادة الوعي تجاه المخاطر التي تسببها النفايات، بحيث يمكن توجيه الفرد إلى تطبيق فكرة فرز النفايات في المصدر ليتم إعادة تدويرها.
الجانب الصحي
تحد عملية إعادة تدوير النفايات من الأمراض، وحالات الاكتئاب، والاضطرابات النفسية الناتجة عن تراكم النفايات وعدم التخلص منها بالطرق الصحيحة، وتوفر بيئة سليمة ونظيفة وخالية من الروائح الكريهة، والحشرات الضارة، والقوارض.
وفي ظل ارتفاع التحذيرات من زيادة حجم النفايات وبأنواعها المختلفة بأرقام قياسية غير مسبوقة، تتزايد الدعوات الموجهة إلى المستهلكين والمنتجين والحكومات بهدف دعم جهود إعادة تدوير هذه النفايات لاستعادة الثروات الهائلة وتخفيف الضغط على الموارد المحدودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق