مقالات وبحوث

«المحذور والمحظور في تعطيل الدستور»

بقلم: مشاري جاسم العنجري

ترددت في الآونة الأخيرة وفي هذه الأجواء المشحونة إشاعات غير مؤكدة، وقد تكون مغرضة عن احتمال تعطيل الدستور..

لذلك أجد من الضرورة بمكان التنبيه على خطورة هذا الأمر وبنقاط محددة وموجزة بهدف التركيز على لب الموضوع لبيان الآثار التي قد تترتب عند الإقدام عليه، وذلك على سبيل النصح، إن كان لهذه الإشاعات قدر من الصحة، لا سمح الله، وذلك كما يأتي:

1 – يقول الله سبحانه وتعالى:

وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتمْ وَلَا تَنقُضُواْ الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا (النحل ٩١)

وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (الاسراء ٣٤).

2 – إن احترام الدستور واجب على كل مواطن، وأقسم كبار المسؤولين على ذلك، وأكدت هذا الأمر المادة ١٨١ من الدستور، التي تبدأ بالنص التالي «لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور…»، كما أكدته الوثيقة الصادرة عن مؤتمر جدة، الذي ترأسه صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله، في اكتوبر عام ١٩٩٠ اثناء الغزو العراقي الغادر…

وعليه كيف يمكن تجنب كل ذلك والالتفات عنه؟

3 – الدستور هو ركيزة النظام والسلطة، بل هو ركيزة الدولة.

فإذا افترضنا جدلاً إقدام السلطة على تعطيل الدستور من جانبها يوماً ما، فإن ذلك يعني ضمناً سقوط الحجة والسماح لغيرها اذا ما أتته الفرصة بعمل مماثل بتعطيل الدستور من جانبه أيضاً.. وما يعني ذلك إلا الفوضى بعينها، لا سمح الله.

4 – كيف ستطالب الحكومة الناس الالتزام بالقانون ومساءلة المتجاوز في الوقت الذي هي فيه لم تلتزم بالدستور الذي هو قانون القوانين؟

5 – لو قارنّا اخطاء أعضاء مجلس الأمة، التي تشارك الحكومة في كثير منها بأخطائها منفردة، والتي لا تعد ولا تحصى، فلن نجد وجها للمقارنة.. ولو نضرب أمثلة على أشكال الفساد وحجمه وعلى سوء الإدارة، فلن يكون الدستور هو السبب في ذلك ولم يكن عائقاً في العلاج…

6 – اذا تم على سبيل الفرض تعطيل بعض مواد الدستور المتعلقة بمجلس الأمة، فما الذي يمنع من تعطيل بعض المواد المتعلقة بالقضاء أو بالحكومة أو بالشؤون المالية أو بعض المواد في الأبواب الأخرى بالدستور، وما إلى ذلك من تداعيات خطيرة؟

7 – ربما سيظهر نشاط مماثل لدواوين الاثنين كالذي حدث بين عامي ١٩٨٩ و١٩٩٠ وقد يكون بصورة أعنف وتدب الفوضى، لا سمح الله.

8 – وهناك أيضاً احتمال أن لو تم تعطيل الدستور أن تنفق السلطة مبالغ طائلة من الخزانة العامة، وذلك بإصدار قوانين وقرارات لا جدوى لها في محاولة للفت الأنظار عن الحدث، ولإسكات الناس ولكن ستكون آثارها عكسية.

9 – ومن المتوقع أن بعضاً من كل من المنافقين وأصحاب المصالح والجهلة هم من سيؤيد ويطبل لتعطيل الدستور، وغالباً مثل هؤلاء هم من سيُستعان ببعضهم في الوظائف القيادية والعليا، مما ستسوء معهم أكثر أوضاع البلاد السياسية والإدارية والاقتصادية.

10 – إذا تم تعطيل الدستور أو بعض مواده، فإنه من المتوقع أنه لن تنصلح الأمور، بل إنها على الأرجح ستتردى أكثر وربما قد تكون النتائج كارثية وسيحمل كل طرفٍ الطرف الآخر المسؤولية، والتي ستضيع في هذه الأجواء وسيقع الضرر على البلاد وأهلها ولنا في تعطيل الدستور في عامي ١٩٧٦ و١٩٨٦ خير مثال على ذلك.

11 – ستواجه السلطة بالتأكيد ضغطاً معاكساً من بعض الدول والمنظمات والمؤسسات المحلية والدولية من شأنه إضعاف موقفها واستقواء الطرف الآخر، وما يستتبع ذلك من تداعيات…

– ومن الجانب الآخر ستواجه الكويت ضغوطاً خارجية سياسية ومالية واقتصادية متعددة، بعضها قد يكون محرجاً، وبعضها الآخر قد يؤدي إلى استنزاف جزء كبير من الخزانة العامة ولا تستطيع السلطة مجابهتها من دون وجود مجلس الأمة.

13 – اذا أُعيد العمل بالدستور وعاد المجلس مرة اخرى بسبب الضغوط الداخلية والخارجية، فسيؤدي هذا الأمر حتماً إلى إضعاف السلطة والنظام… وهذا الضعف لا أقبله ولا يقبله كل مواطن حريص على أمن البلاد واستقرارها، لأنه سيشكل خطورة على سلامتها وأمنها، لا سمح الله.

14 – من المتوقع أن تعطيل الدستور لو تم ذلك ستكون تكاليفه باهظة جداً على البلاد، لأن الشواهد تؤكد على أنه من السهل الإقدام على فعل معين لكنه من الصعب التنبؤ بالنتائج المترتبة عليه…

15 – فرص العمل، والاسكان، وتضخم الميزانية وتناميها وانتشار الفساد بكل صوره ومشاكل التجنيس، هي قضايا شائكة ومعقدة لا تستطيع الحكومة مواجهتها وتحملها بمفردها.

16 – لا يمكن مقارنة الأوضاع السائدة عندما أقدمت السلطة على تعطيل الدستور في عامي ١٩٧٦ و١٩٨٦ بالوضع الحالي، من حيث الشعور العام بحقيقة تفشي الفساد في أركان الدولة، بالإضافة إلى تقلص فرص العمل وتوافر وسائل التواصل التي لم تكن متاحة في ذلك الوقت عندما قُيدت الصحافة المحلية.

17 – والسؤال المباشر بعد ما تقدم: أليس من الأسهل والأيسر على السلطة الالتزام بالدستور والقانون والجدية في محاربة الفساد الذي هو أكبر مسبب ومساهم في ما وصلنا إليه من أوضاع، وذلك بدلاً من القفز إلى المحظور بتعطيل الدستور وخرقه (إن كان هذا صحيحاً) وما ينتج عن ذلك من محاذير ومخاطر سبق ذكر بعضها؟

وفي الختام، أؤكد أن صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الاحمد الجابر الصباح وسمو ولي العهد الشيخ مشعل الاحمد الجابر الصباح، حفظهما الله، هما صماما الأمان بعون الله في قيادة البلاد بقوة وحزم، وحمايتها من خلال سلطاتهما الدستورية والقانونية وإدارة دفتها في الاتجاه الصحيح وإغلاق ابواب الفتن والإشاعات المغرضة، التي أرجو الله أن يكون كل ما يتداول منها في شأن تعطيل الدستور ما هو الا مجرد إشاعات ليس لها أي أساس من الصحة…

– اللهم احفظ بلدنا من كل سوء..

– «ألا هل بلغت اللهم فاشهد»..

– والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق