مقالات وبحوث

مفهوم التنمية المستدامة.. أهميتها وأهدافها وأنماطها (2-2)

بقلم: د. إسحاق الكندري

صُممت الأهداف بشكل متعمد لتتضمن التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على نطاق واسع، مع ترابطها في نفس الوقت والتي تشمل 17 هدفا و169 غاية حتى تصبح حزمة من الالتزامات للدول والمجتمعات والأفراد لمعالجة القضايا الحاسمة للجنس البشري. ومن المتوقع أن تتحقق الأهداف وغاياتها بحلول عام 2030، لذا فهناك جهود عالمية متضافرة وحيوية وعمل دؤوب من أجل تحقيق هذه الأهداف.

وتتمثل أهداف التنمية المستدامة على أبعاد بيئية مثل الاستخدام الرشيد للموارد الناضبة وحفظ الأصول الطبيعية لجعل بيئة مماثلة للأجيال القادمة، ولابد من مراعاة القدرة المحدودة للبيئة على استيعاب النفايات وضرورة التحديد الدقيق للكمية التي ينبغي استخدامها من الموارد الناضبة، والتوفيق بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة.

كما أنها تتمثل على أبعاد اقتصادية من خلال إجراء تخفيضات متواصلة في مستويات استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية والتي تصل إلى أضعاف أضعافها في الدول الغنية مقارنة بالدول الفقيرة.

ومن الناحية الاجتماعية تهدف التنمية المستدامة إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم ومشاركة الناس في صنع القرارات التنموية التي تؤثر في حياتهم، وتحقيق العدالة والمساواة بشكل ينصف الأجيال المقبلة والتي يجب أخذ مصالحها في الاعتبار وإنصاف من يعيشون اليوم من البشر ولا يجدون فرصاً متساوية مع غيرهم في الحصول على الموارد الطبيعية والخدمات الاجتماعية.

وتستهدف التنمية المستدامة تحقيق تحول سريع في القاعدة التكنولوجية للمجتمعات الصناعية، إلى تكنولوجيا جديدة أنظف، وأكفأ وأقدر على الحد من تلوث البيئة، وتحول تكنولوجي في البلدان النامية الآخذة في التصنيع، لتفادي تكرار أخطاء التنمية والتلوث البيئي الذي تسببت فيه الدول الصناعية، ويشكل التحسن التكنولوجي وسيلة هامة للتوفيق بين أهداف التنمية والقيود التي تفرضها البيئة بحيث لا تتحقق التنمية على حساب البيئة.

وتوجد عدة أنماط للاستدامة تمثل مكونات التنمية المستدامة مثل الاستدامة المؤسسية التي تعني بالمؤسسات الحكومية أو بالهياكل التنظيمية القادرة على أداء دورها في خدمة مجتمعاتها لتحقيق التنمية المستدامة، بجانب دور المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في تنمية مجتمعاتها.

وتوصف التنمية بالاستدامة الاقتصادية عندما تتضمن السياسات التي تكفل استمرار الأنشطة الاقتصادية بالمجتمع وأداء الدور المنتظر منها، وتكون في نفس الوقت سليمة من الناحية الإيكولوجية فالتنمية الزراعية والريفية على سبيل المثال تتسم بالاستدامة عندما تكون سليمة من الناحية الإيكولوجية وقابلة للتطبيق من الناحية الاقتصادية وعادلة من الناحية الاجتماعية ومناسبة من الناحية الثقافية، وأن تكون إنسانية تعتمد على نهج علمي شامل، وتعالج التنمية الزراعية والريفية المستدامة بحكم تعريفها قطاعات متعددة لا تشمل الزراعة فقط بل المياه والطاقة والصحة والتنوع البيولوجي.

ويقصد بالاستدامة البيئية بأنها قدرة البيئة على مواصلة العمل بصورة سليمة، لذلك يتمثل هدف الاستدامة البيئية في التقليل إلى أدنى حد من التدهور البيئي، وتتطلب الاستدامة تغذيته بشكل طبيعي، بمعنى أن تكون الطبيعة قادرة على تجديد التوازن البيئي، ويمكن أن يتحقق ذلك بدمج الاعتبارات البيئية عند التخطيط للتنمية حتى لا يتم إلحاق الأضرار برأس المال الطبيعي وذلك كحد أدنى.

بدأ الاهتمام واضحاً الآن بمدى ارتباط التنمية البشرية بمفهوم التنمية المستدامة، حيث تبرز هذه العلاقة من خلال الحاجة الماسة لإيجاد توازن بين السكان من جهة وبين الموارد المتاحة من جهة أخرى، وبالتالي فهي علاقة بين الحاضر والمستقبل بهدف ضمان حياة ومستوى معيشة أفضل للأجيال القادمة والذي يحتاج إلى ربط قضايا البيئة بالتنمية بشكل محدد ومستمر، حيثُ إنه لا وجود لتنمية مستدامة بدون التنمية البشرية.

ولا تقتصر التنمية المستدامة على التنمية الاقتصادية فحسب، بل تتعداها لتشير إلى مجموعة واسعة من القضايا متعددة الجوانب لإدارة الاقتصاد والبيئة والمجتمع. وهذه العناصر الثلاثة الأخيرة تشكل الركائز للتنمية المستدامة. وإذا اعتبر أن هذه الركائز تمثل دوائر متداخلة ذات أحجام متساوية، نجد أن منطقة التقاطع تمثل رفاهية الإنسان. فكلما اقتربت هذه الدوائر بعضها من بعض، شريطة أن تكون متكاملة لا متناقضة، ازدادت منطقة التقاطع وكذلك رفاهية الإنسان.

لذلك، فإن حياة الإنسان ورفاهيته ترتبطان بصحة بيئته، ولا يمكن لأي مجتمع أن يستمر من دون الغابات، ومصادر المياه النظيفة، والأراضي الخصبة ورؤوس الأموال البيئية كافة التي تزوّد الموارد وتمتص المخلفات التي ينتجها الإنسان. وعلى الرغم من هذه العلاقة، فإن الإنسان غالبا ما يغفل حالة التدهور واستغلال تلك البيئة، ولعل اضمحلال مناطق صيد الأسماك وفقدان الغطاء النباتي واستمرار تراكم الملوثات والمخلفات تمثل بعض الأمثلة الواضحة على ذلك.

وفي عالم ترتفع فيه مستويات الحياة ويزداد تعداد السكان، هناك حاجة إلى أدوات قادرة على متابعة حركة البضائع والخدمات البيئية في الأنظمة البيئية والاقتصاديات الإنسانية، تماما كمتابعة لحركة المال في الأسواق الاقتصادية، وهذه الأداة المحاسبية هي في الواقع ما يسمى بـ «البصمة البيئية». وبالتالي، تتأثر معدلات التنمية المستدامة بمدى كفاءة نظم الإدارة البيئية الفعالة على الحد من التلوث البيئي بالمصانع والوحدات الإنتاجية والمرافق والوحدات الخدمية وزيادة حجم الإنتاج نتيجة انخفاض حجم المخلفات الهوائية والصلبة والسائلة، وإعادة تدوير الجزء الذي لا يتم التخلص منه عن طريق أساليب الحد من عناصر التلوث البيئي المختلفة.

كما أن معدلات التنمية المستدامة تتأثر بالتوزيع والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة بسبب محدودية الموارد المتجددة وغير المتجددة في دول العالم، مما يؤدي إلى ضرورة البحث عن أساليب ملائمة لتحقيق الاستخدام الأمثل لهذه الموارد. وهذا يعني عدم زيادة معدلات استهلاك الموارد البترولية بمعدلات تتساوى أو تزيد عن معدلات الاحتياجات من هذه الموارد خلال الفترات أو السنوات التالية.

إن أساليب تحقيق التنمية المستدامة مهمة جدا وتشغل العديد من علماء البيئة والاقتصاد والمهتمين فيها. ويجب على الجميع التعاون لتطبيقها وحماية الكوكب من الخطر القادم على مبادئ التنمية المستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ومواجهة تحدياتها من ضعف الإنتاج المحلي، والفقر، والتخلف، إلى تدهور التربة، والبيئة، وتغيرات المناخ على مرور السنوات للحفاظ علي الثروات الطبيعية واحتياجات الأجيال القادمة والوصول إلي الرفاهية في العيش الحاضر. ولابد من وضع أسس متينة واعتماد إصلاحات طموحة والنهوض بإجراءات وقائية وعلاجية لبناء مستقبل بيئي تنموي مستدام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق