مقالات وبحوث
التأمينات.. بين الثلاثة والثلاثمئة
بقلم: مبارك فهد الدويلة
وأقصد بالثلاثة هنا منحة الثلاثة آلاف دينار، والمتوقع إقرارها في جلسة مجلس الأمة اليوم، أما الثلاثمئة فالمقصود بها حجم المبالغ المختلسة من صناديق التأمينات الاستثمارية في عهد المدير العام الأسبق لهذه المؤسسة العريقة، والتي تزيد على الثلاثمئة مليون دينار كويتي (لاحظ دينار وليس تومان)!
قبل عامين، صرح المدير العام لمؤسسة التأمينات الاجتماعية بأن المؤسسة حققت أرباحاً مليونية نتيجة حسن أدائها في محافظها الاستثمارية، وسارع مجلس الإدارة، من دون موافقة وزير المالية آنذاك السيد براك الشيتان، إلى مقابلة القيادة السياسية متفاخرين بحسن أداء الصناديق الاستثمارية للمؤسسة، وكنا نعلم أن هذا الإعلان جاء لاستباق أي إجراء تصحيحي قد يقوم به وزير المالية رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، فيها، واستبشر الناس خيراً في هذه النتائج، مما حدا أحد المراجع العليا إلى مطالبة مجلس الإدارة بتوزيع جزء من هذه الأرباح على المتقاعدين، وقد لاقى هذا الاقتراح استحساناً لدى عموم المتقاعدين، الذين لم يذوقوا طعم هذه الملايين التي تدعي المؤسسة أنها تربحها كل عام!
راحت السكرة، وجاءت الفكرة، وتبيّن للناس أنهم قد خُدعوا بمعلومات مغلوطة عن أرباح مؤسستهم، حيث كان مجلس إدارة التأمينات هو أول من اعترض على توزيع جزء من الأرباح على المتقاعدين، لأنهم يدركون حجم خسائرهم السنوية، وسوء أداء محافظهم المليونية!
اليوم مجلس الأمة، وبعد أن علم الكلفة الحقيقية للمقترح، قد يضطر إلى تعويض المؤسسة كي يقلل من خسائرها الاكتوارية كما يسمونها!
مؤسسة التأمينات تستثمر مئات الملايين من أموال المتقاعدين، ويفترض أنها تربح سنوياً ملايين الدنانير، لذلك من المنطق والمقبول توزيع جزء من هذه الأرباح على المتقاعدين وعليهم بألف عافية، ومن يدعي أن هذه أنانية وإهدار للمال فهو إما أنه لا يفقه ما يقول، أو أنه ينظر للموضوع بعين واحدة! فالإهدار لا يكون بتوزيع عادل على جموع المتقاعدين، الذين يزيد عددهم على مئة وستين ألف مواطن متقاعد، وكل منهم يعول أسرة كويتية، ومن يدعي حرصاً اليوم على المال العام، فأين كان لسانه عندما سرق أحدهم مئات الملايين من أموال المتقاعدين؟! ولعل تعويض المؤسسة بنصف مليار دينار من المال العام لا يدع مجالاً لكائن من كان كي يعترض على هذه المنحة!
اليوم أغلب مؤسساتنا تحتاج إلى إعادة هيكلة كي ننفض عنها الفساد، ونضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وليس كما هو الحال اليوم في الغالب، الرجل الموالي في المنصب المثالي! حتى وصلنا إلى أن %80 من قيادات البلد تم تعيينهم بواسطة جهة واحدة!
أتمنى حضور النواب للجلسة، وإقرار المنحة، ووضع ضوابط للدعم الحكومي للمؤسسة العامة للتأمينات، فلابد من وجود هذا الدعم، ليس لأنه ضروري ومستحق فحسب، بل لأن الأداء السيئ للمحافظ الاستثمارية جعل أي منحة للمتقاعدين لابد أن يقابلها دعم من الميزانية العامة للدولة، فبدلاً من معاقبة المتقاعد بحرمانه من المنحة، حاسبوا من تسبب في هذا الحال السيئ لهذه المؤسسة العريقة!